عبدالحفيظ مريود
يطايب المحبوب عبد السلام – كدأبه – شخصا فى استقبال “هيئة الأعمال الفكرية”، عام ١٩٩٨م، كان فى بعض شؤونه.
الشخص يعرف نفسه، ويحاول أن يذكر المحبوب بلقائهم الأول، قبل سنوات، “حتى أننى استعرت منك كتاب (دولة الفكرة)، ولم أعده إليك”..يسأله المحبوب ” إن شا الله تكون محتفظ بيهو؟”..يجيبه “نعم”..وفيما هو يودعه، ليخرج، “عليك الله لو لقيت طريقة جيبو لى معاك..نشوف دولة الفكرة ديك…لأنو حقتنا دى جلت غايتو”، يضحكان، ويغادر المحبوب..
شايف كيف؟
كانت الإنقاذ قد سلخت – أو كادت – عشريتها الأولى، وقد بدا أنها “تمكنت”، بحيث لا يقلقلها مقلقل جلل.
تفادت المتاريس الداخلية الكبرى، وأكبر الخارجية، متمثلة فى التخلص من امتياز شركة شيفرون، بحيث ستخطو – مستندة على عكازة النفط – إلى مشروعها الحضارى. لكن محبوبا كان يراها “جلت”.
حادت، تنكبت، بحيث يقتضيه الوضع أن يراجع كتاب “دولة الفكرة”، وهو المهموم بمصادر تفكير الحركة الاسلامية..والحقيقة لم يكن المحبوب الوحيد الذى يرى ذلك.
كان الكثيرون يفعلون ذلك، بل غادر بعضهم “محطة الحركة الاسلامية”، والبعض انتبذ مكانا قصيا..فماذا رأى أولئك فى “شعاب الأرخبيل”، بعبارة الشاعر محمد عبد الحى؟
يقينى أن المحبوب كان يعابث الرجل. لم يكن يحتاج لمراجعة الكتاب، بقدر ما كان يهمس لنفسه بصوت مسموع.
شايف كيف؟
كان الإنتقال قد حدث إلى “محطة العقل العملى/التعاملى”، الذى تنغلق حدوده عند حوائط إيجاد حل سريع وعاجل للمشكلة التى أمامنا، لا ينشغل بأبعد من ذلك، لا يتساءل عن جذور الحل المطروح، علاقاته، تقاطعاته. ولا حتى عن نجاعته..ما يهمه هو أن يزيح المشكلة الماثلة أمامه..بل لا يتساءل حول جذورها، لا يحفر عميقا بحيث يفهم لماذا نشأت، أصلا، دع عنك أن يفكر – حرا، بلا إكراهات – للتأسيس.
والحال هذه، سينفتح المجال أمام أصحاب المهارات، القادرين على “التحايل” على المشكلة وإزاحتها، فى الوقت الراهن، من أمامنا، فينسحب – شيئا، فشيئا – الأصوليون، العميقون، المشغولون بما وراء ذلك..هذا الوضع يراكم المشكلات، يعقد جذورها، فتنشأ عنه مشكلات أكبر..وفى الوقت نفسه يتمدد أصحاب المهارات ويتعملق أصحاب الحيل. وهو ما يمكن تسميته “سيادة فكر وفقه الاستجابة للواقع”، واطراح المثال.
شايف كيف؟
هل ثمة دولة للفكرة؟
أم أن تلك هلوسات طهرانيين، حالمين بالملائكية؟ هل ثمة نظام مبدئى، لا ينحنى للواقع، وللحادثات، كما يحب الأصوليون؟
قطعا هناك نظام مبدئي. دولة فكرة. غير قابلة للإنحناء أو المهادنة، وإلا لما كان هناك دين، أو رسالات..لكن إختبار النظام المبدئي هذا، كان سيدنا آدم – عليه السلام – أول من فشل فيه. (ولقد عهدنا إلى آدم من قبل، فنسى، ولم نجد له عزما). ثمة إغراءات، تحديات، إفتتانات، سيجرب “العقل العملى” التحايل على المبدأ للتعاطى معها. كان مجمل “دين آدم وحواء”، بعد شهادة التوحيد، “ولا تقربا هذه الشجرة”، كما يقول ياسر العديرقاوى..
طرحت الحركة الإسلامية، الإنقاذ “كيزانا” لم يسمعوا بكتاب “دولة الفكرة”..لم يعرفوا “مصادر وأصول تفكيرها وفقهها”..لا يكاد الواحد منهم يتبين شيئا..طرحت “كيزانا عمليين”، يمكنهم أن يزيحوا المشكلة من أمامك، فقط..بالضرب، بالتهديد، بالسرقة، بالقتل، بالتآمر، بكل ما يخطر لك وما لا يخطر لك على بال. المهم أن “يخفى” المشكلة عن المشهد..
شايف كيف؟
فالإنقاذ التى أعدمت من “يتاجر بالعملة”، أول ما جاءت، لم تعد تكترث لمن يفعل “الكبائر” فى صفوفها. بل تجد مبررات وفقه، تجد “ضرورات”، لأن يفعل “إخواننا” ما فعلوا..لا يتناهون عن منكر فعلوه. كل ذلك فى وضع سيادة العقل العملى/التعاملى، وتعملق أصحاب المهارات..
القليلون، فقط، من كانوا يرون إنسداد الأفق. والقليلون، فقط، من كانوا يجهرون بذلك. بأن بقاء البشير خلق ديكتاتورا ينتظر المكتب القيادى عطسته ليشمته..وأن التدهور لا يمكن إصلاحه بفقه وأفكار أصحاب المهارات والحيل..وأن الفساد صار فنا وطرائق قددا…وأن البلاد ترذل، فى كل عام..
شايف؟
لذلك “جلت” دولة الفكرة.
رأى المحبوب عبد السلام ذلك، أبكر من لقائه العارض بمن استعار منه الكتاب..ورآه آخرون غيره، قبل ذلك أيضا، فانتبذوا مكانا قصيا..ويرى الكثيرون أن ذلك “ابتلاء إلهيا”، لأن الله إذا أحب عبدا ابتلاه..وكدا..
شايف كيف؟
المهم…
“إن فى ذلك لعبرة لمن كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد”.