الرياضةغير مصنف
أخر الأخبار

هوامش على كتاب الإسلاميين

بدون زعل

عبدالحفيظ مريود

حين بلغت إحتجاجات موسى بن عمران، عليه السلام، على العبد الصالح (الخضر)، عليه السلام، قال له الخضر :” أنا على علم علمنيه الله، تعالى، لا تعلمه أنت..وأنت على علم علمكه الله، تعالى، لا أعلمه أنا”..لخص القرءان الكريم ذلك، بأن “هذا فراق بينى وبينك، سأنبؤك بتأويل ما لم تسطع عليه صبرا”..
المصادر الدقيقة – غير المطروقة للكثير من الباحثين – تقول إن موسى، عليه السلام، حين أخذ الألواح ونزل، حدثته نفسه أن ” ليس فى الأرض من هو أعلم منى”..فأوحى الله، تقدست أسماؤه وجل ثناؤه، إلى جبريل، عليه السلام، أن ” أدرك موسى، فقد هلك..وأخبره أن عند مجمع البحرين من هو أعلم منه..فليسر إليه، وليتعلم منه”..
شايف كيف؟
القصة محل لطائف صوفية دقيقة، يمكن لأهل الباطن أن يقولوا فيها كتبا..هل دخل خيط غرور رفيع إلى نفس موسى، وهو من أولى العزم، بحيث ينسف العصمة عن الأنبياء؟ والعصمة موضوع جدل كلامى دقيق، وفلسفى، منذ أن نشأت العلوم الإسلامية..لكن السادة أهل الباطن يذهبون مذاهب أدق وأحرف من المتكلمين والفلاسفة، مع أنهم لا يستقبحون أدواتهم ومناهجم، كما فعل أبو حامد الغزالى، ثم آب إليها، بأخرة، كما يحب شيخ مجاهد أبو المعالى أن يقول.
القصة فى سورة الكهف، ليست للمتعة، ولا استجابة لتحدى اليهود، كما هو وارد فى أسباب النزول، وحسب..القصة تضعك على عتبة الإدراك الكلى، والتراتبيات، كما استخدمها الهندى عز الدين، ذات يوم، فتلقى سيلا عارما من سخريات شباب “شارع الحوادث”، بعيد افتتاح غرفة للإنعاش، على ما أظن، بحوادث الأطفال بمستشفى أمدرمان، وكانوا قد قدموا بائعة شاى، لقص الشريط..أظن أن مثقفين وناشطين – قبلهم – قد قدموا “حليوة”، بائعة الشاى والزلابية، لافتتاح معرض تشكيلى فى جوتة..
المهم…
إشارة “التراتبية” تقول إن موسى بن عمران، عليه السلام، هو نبى الفترة. بمعنى أن (الزمان زمانه). لكن ذلك لا يقدح فى أن يكون على الأرض “من هو أعلم منه”..والعكس صحيح…يعلم الرجل الذى هو أعلم من موسى أن صاحب الوقت هو موسى..ولا ينبغى له أن يستنكف، أو يستنكر..يقوم جنود الله بمهامهم، أحيانا كثيرة، دون أن يعلم الواحد منهم بوجود الآخر..وجودك وأعلميتك، وجودك وسيادتك على الوقت، وجودك وتخويلك بما أنت مخول فيه، لا ينسف الوجودات الأخرى..فأنت “مجرد تجل للقدير، الآن وهنا”، ليس ذلك مناقضا للتجليات الأخرى له، سبحانه.
شايف كيف؟
المنهج الذى ينشأ عليه إسلاميو السودان، إلا من رحم ربى، يجعلك غارقا فى ( الأعلمية، الأجدرية، الأوحدية)، التى لا يجب أن ينازعك عليها أحد..وسيفشل – هذا الأحد – إذا قيضت الإرادة الإلهية أن “يسد مسدك”، أو “مسد أية ورقة”، كما يفعل “الجوكر”، فى لعبة الكوشتينة، بعبارات بروف عبد الله الطيب، التى يرويها البروف على المك بصوته العميق.
أن تنكشف القدرات المتواضعة للذين خلفوا الإسلاميين، بعد الإنقاذ، أن تفشل جهودهم وتكثر اختلافاتهم، لهو أمر محزن..محبط..مربك للحسابات الوطنية..لكنه لا ينبغى أن يكون محل “فرحة مكتومة أو معلنة” للإسلاميين..لأنه سيقعد بالبلاد والعباد، ويؤخر مشروع “دولة المواطنة والحرية والعدالة والديمقراطية وسيادة حكم القانون والتنمية المتوازنة”، وهو المشروع الذى فشل فيه الإسلاميون طوال ثلاثين عاما..
شايف كيف؟
يتكشم الإسلاميون كلما سقط أحد. كلما انتقض بناء، ولو كان إنترلوك على الطريق وضعه المتعافى أو عبد الرحمن الخضر…لماذا؟ لأنه – عاجلا أو آجلا – سيكون هذا الانتقاض، السقوط، التعثر محلا للمقارنة بين “فترتهم”، و” فترات الآخرين”، بحيث يتمنى “الشعب السودانى” عودتهم، معززين مكرمين، ومحمولين على الأعناق، ربما…
ستكون “التدخلات الخارجية”، الإقليمية والدولية – أثناء فترة حكمهم – ” وساطات – تقريبات لوجهات النظر بين الأطراف”، لكنها ستكون فى عهد البرهان، حمدوك، ما بعد حمدوك “عمالة وارتزاق وارتهان للأجنبى”
ثمة الكثير من محطات التدخل “الخارجى” طوال ثلاثين عاما، هى حكم الإسلاميين، سواء من دول مجاورة، منظمات إقليمية، دول ما وراء البحار، أو منظمات دولية فى “معالجة” شؤون داخلية..ليس آخرها التدخل السافر، الإملاءات الخارجية فى مسألة جنوب السودان، وصولا إلى الإنفصال، والذى يعد أكبر تفريط فى السيادة، وأكبر خيانة وطنية حدثت على طول تأريخ السودان السياسى…لقد حدث ذلك تحت ضغوط خارجية، وإملاءات أكثر بشاعة من أى إملاءات حدثت، وارتهان مذل للإرادة الخارجية..لكن الإسلاميين يجدون تبريرات لكل ذلك، بشكل يبعث على الغثيان..يرونه قمة “المعالجة السياسية الذكية”، لمشكلة مزمنة، لطالما “أعيت الطبيب المداويا”، بعبارة المتنبى.
شايف كيف؟
تتكئ بنية الوعى الإسلامية على “الصوابية المطلقة”. ينسحب ذلك من أعلى هرم الإسلام (بحوث العقيدة، التنظير للدولة والمجتمع، العلاقات مع الجماعة ومن خالفها الرأى، الرؤى والمعالجات السياسية والاقتصادية، الاجتهاد والتقليد الفقهى)، وصولا إلى مشاركات فريق كرة القدم النسائى، وتوظيف الفتيات فى طلمبات الوقود..
على أن هذه “الصوابية المطلقة” هى نفسها خليط من مواد متنافرة لا تشكل بنية صلدة ذات دعامات رئيسة. ذلك يعنى أن التصورات الكلية تتشكل عبر مناظير متعددة، بحيث يصعب تجنيسها ومحاكمتها إلى ما ألزمت به نفسها. تؤمن بالشيئ ونقيضه، تتزاحم فيها الأضداد. يمكن التمثيل لذلك بالموقف من حدى الردة ورجم الزانى المحصن. ففى الوقت الذى تذهب جل اجتهادات وآراء الاسلاميين فى هذين الموضوعين إلى لاوجودهما، تشتمل القوانين فى “الدولة الاسلامية” طوال ثلاثين عاما، عليهما. وفى الوقت الذى تتبنى الأطروحة الرئيسة – مثلا – اللاربوية، تنخرط البنوك والحكومة الإسلامية فى معاملات ربوية تجد تبريراتها المفصلة. ينظر الفقه العمومى، استنادا إلى الأصول، فى مسألة “الولاء والبراء”، لكنه – عمليا – لا يقيم وزنا لهذه الأصول والتنظيرات، فأصبح ذرائعيا..تلفيقيا، مرقعا مثل جبة درويش أخرق فى “عصرى حمد النيل”، بأمدرمان.
شايف كيف؟
ليس ثمة منهج، موقف، رؤية يمكن أن تقطع بأنها ستكون ثباتا إسلاميا..يجوز كل شيئ، طالما هو موصل للكرسي أو محافظ عليه..والكرسي مهم جدا لإقامة “الدولة الإسلامية”، والدولة الإسلامية هى ما نراه نحن، لا بقية المسلمين “خارج الجماعة”. ليس هناك من أدنى إمكانية لأن تكون قراءة الآخرين للإسلام صحيحة..كيف تكون صحيحة وممكنة، وهم ” ليسوا نحن”؟ ومع ذلك ” لم يقفل أحد باب الاجتهاد، ولكنا قفلناه، وهذا هو مفتاحه”..
شايف؟
ما فعله حمدوك باستقدام بعثة أممية، جاءت بفولكر خاطئ، لا شك فى ذلك. لكن لا أحد يمكنه أن يقول إن الإسلاميين فى موقف أخلاقى يؤهلهم للفتيا فيه، أو تقييمه. ذلك أنهم سبقوا حمدوك فى هذا المجال. وإذا كان بعضهم ينظر إلى حديث حميدتى عن توقيع الوثيقة، بأنهم “وقعوها ورجلينهم فوق رقبتهم” على أنه “العمالة بعينها..وانتهاك السيادة الوطنية السافر، وقبض الثمن”، فليراجع افتئات الاسلاميين وقبولهم بأبخس الأثمان فى ملفات : تسليم كارلوس، تسليم الإسلاميين المستجيرين من نيران أنظمتهم الوطنية، الملتجئين إلى ” الدولة الإسلامية”، طرد أسامة بن لادن، الموافقة على فصل الجنوب، الموافقة على البعثات الأممية لسلام نيفاشا، ثم سلام دارفور، قطع العلاقات مع إيران، تسليم ملفات “شديدة السرية” بزعم مكافحة الإرهاب، الحرب فى اليمن المدفوعة الأجر بزعم “حماية الحرمين الشريفين”، الفيديو “الفضيحة” للبشير وهو يطلب إلى بوتين “الحماية”، والكثير غيرها…وليس ثمة من شخص اتهم بالعمالة والتخابر وتنفيذ رغبات الصهيونية كما حدث للفاتح عروة، فى مسألة “تهجير الفلاشا”، المعروفة بعملية موسى، فى عهد الرئيس نميرى. لكن “النظام الاسلامى” هو الذى احتضنه وجعله مسؤولا ومشرفا على “ملفات غاية فى الخطورة”..ثم أنتج نموذج عروة نسخة “إسلامية”، حين وصفت جينداى فريزر، مساعدة وزير الخارجية الأمريكية السابقة، صلاح قوش بأنه “رجل أمريكا فى السودان”، وذلك قبل أن يقدم الإسلاميون نموذجا فريدا آخر، هو ” مدير مكاتب الرئيس البشير”، طه عثمان الحسين، الفريق بجهاز الأمن والمخابرات الوطنى، كعميل عز نظيره فى أى دولة محترمة، أو غير محترمة..
سيادة وطنية، وعمالة…مش كدا؟
يا سلاااااام ياخ.
ولأن الإسلاميين ليسوا ” أصحاب الوقت”، مثلما كانوا قبل بضع سنوات، فإن إنكارهم المستمر على “الخضر”، بوجوهه المتعددة : (البرهان، حمدوك، الحرية والتغيير، الحرية والتغيير جناح الموز، عبد العزيز الحلو، عبد الواحد، حميدتى، الشيوعى، الاتحادى المعارض، أو المتعارض، ألخ)، لن يكون محلا للنظر..وليس الخضر فى وجوهه المتعددة مطالبا بتأويل ما لم يستطع الإسلاميون عليه صبرا، لا سيما وأنهم فعلوا ذلك، وأكثر حين كان الكرسى “إسلاميا قاصدا فى مسيرته المقدسة وجه الله، وحسب”.
شايف كيف؟
ثم ثانيا (سم سانين) ياخ:
ليس هناك من موسى، الآن، ولا الخضر..
فشنوووووو…
خلوا البنسلين يمشى.

*ملحوظة:-
الصورة ل “الراجل الضكران، الخوف الكيزان”، كما كان مكتوبا بالخط الكبير، تحت صورة الرجل، فى اعتصام القيادة، قبل أن تتغير الأشياء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى