
بقلم – د.عبدالناصر سلم
يعيش السودانيون ظروفاً قاسية جراء الحرب المشتعلة منذ أكثر من عام ،بين الجيش وقوات الدعم السريع شبه العسكرية.
وبدخول الصراع عامه الثاني ،وضعت هذه الأزمة المتنامية العالم أمام واقع جديد لجهة استمرار هذا الصراع دون أن تلوح في الأفق مساع جادة ذات خطوات ملموسة لحسمه.
*كارثة إنسانية
هذا الواقع الصعب ترك أثره في السودان وبقية دول الإقليم ، حيث ظلت تتمدد يوماً بعد آخر.
والسودان نفسه يعتبر دولة هشة نتيجة للصراعات التي لازمت هذا البلد منذ استقلاله،
لكن الحرب الأخيرة هذه تعتبر الأسوأ والأفظع على الصعيد الإنساني.
حيث يعاني الشعب السوداني من ويلات الصراع في ظل تجاهل دولي لهذه الكارثةالإنسانية.
لكن الأصوات أخذت تتعالى بشكل جلي.
*أصوات محذرة
في ظل هذا الواقع تعالت الأصوات حول العالم محذرة من خطر مايجري على الارض من كارثة إنسانية.
وسبق أن وصفت لجنة الإنقاذ الدولية ما يجري في السودان بالسقوط الحر، بعد أن حذرت من أن الأزمة الإنسانية في البلاد ستتفاقم أكثر ما لم يتخذ المجتمع الدولي إجراءات حازمة لمعالجة الوضع الذي مزقته الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع.
بالطبع خرجت تقارير بحجم الكارثة ،فاللجنة نفسهاذكرت في تقرير أصدرته في نيويورك، أن تقديرات ضحايا الحرب في السودان تصل إلى 150 ألف شخص، أي أعلى بكثير من التقديرات المعلنة والتي تتحدث عن 15 ألف قتيل.
*خطر التمزق
لكن تم التنبيه من أنه و”بدون تحول في النهج الدولي من الجمود إلى العمل، فإن السودان يواجه خطر التمزق بسبب الصراع، مع ما يترتب على ذلك من عواقب وخيمة على ملايين المدنيين والأمن الإقليمي”.
*أزمة مزدوجة
كل هذه المعلومات الموثقة خرجت في إشارات واضحة تحتاج لبذل جهود حقيقية.
إن السودان يواجه بالفعل أزمتين مزدوجتين ،تتمثلان في أكبر عدد من النازحين داخلياً في العالم، حيث فر 12 مليون شخص من بيوتهم منذ بدء الاشتباكات، منهم 10 ملايين داخل السودان ومليونان إلى بلدان مجاورة.
كما أن 25 مليون شخص من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 42 مليون نسمة في حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية والحماية، في حين يواجه 18 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد في ظل نقص في الغذاء والمياه والدواء والوقود.
*الدفع الدولي
وبالنسبة للمسؤولية المشتركة ،فقد ألقي باللوم على جنرالات الجيش السوداني والقوى الإقليمية والمجتمع الدولي في “خزلان شعب السودان، مما أدى إلى كارثة إنسانية متفاقمة”.
وهو أدى بالمطالبة بدفع دولي أكبر نحو تعزيز السلام في السودان، وإعادة ضبط الاستجابة الإنسانية بشكل عام.
*26 مليون
وبالنسبة للأمم المتحدة فهي سبق ان أعلنت أن “26 مليون شخص في السودان يعانون من الجوع الحاد”.
ومعلوم أن هذه التحذيرات كانت قد جاءت أيضاً في جلسة عقدها مجلس الأمن الدولي ،لمناقشة الوضع في السودان ،وقيل فيها أن الوضع الإنساني “مازال يمثل كارثة مطلقة” وأن الظروف في مختلف أنحاء السودان “،مروعة وتزداد سوءا يوما بعد يوم”.
ففي جلسته لمناقشة الوضع في السودان، كان لافتاً ماقدم من حقائق صادمة عن الأزمة الانسانية في السودان.
*أسر جائعة
كانت الإفادات صادمة بما يكفي لتحرك المجتمع الدولي، فقد تم رسمياً إحاطم مجلس الأمن الدولي ، أن 26 مليون شخص في السودان يعانون من الجوع الحاد، “وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف مدينة نيويورك، (ولكن) مليئة بالأسر الجائعة والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية”.
يحدث ذلك في ظل استمرار فرار الناس ،حيث أُجبِر 10 ملايين شخص على الفرار من منازلهم بسبب العنف والجوع والحرمان، وذلك يشمل 726,000 شخص نزحوا داخل ولاية سنار وخارجها، جنوب شرق البلاد، منذ 25 يونيو ،بعد تقدم قوات الدعم السريع إلى الولاية، “وهذا يعني نزوح ثلاثة أرباع مليون شخص في غضون ستة أسابيع فقط”.
وحتى الخرطوم، عاصمة السودان، التي كانت ذات يوم القلب النابض للبلاد، أصبحت الآن في حالة خراب”.
*مجاعة زمزم
وبالإضافة لذلك، تفشت المجاعة في أجزاء من ولاية شمال دارفور السودانية،
ويؤكد ذلك بأن وقوع مجاعة يعني أن العالم تأخر كثيراً.
وهذا يعني أنه لم يفعل ما يكفي.
*سوء المعاملة
إن مئات الأيام التي عاشها المدنيون في هذه الحرب المدمرة ،دفعت ملايين المدنيين إلى مستنقع من العنف، ومعه الموت والإصابة والمعاملة اللاإنسانية.
وبرزت مخاوف جدية بشأن ارتكاب جرائم حرب طوال هذا الصراع، حيث أن النساء والفتيات في السودان ما زلن يتعرضن لأسوأ سلوكيات أطراف الصراع.
ورغم هذا الواقع المظلم ،إلا أنه توجد بعض الإشراقات يمثلها المجتمع الإنساني في السودان حيث مازال يواصل العمل ،برغم كل الصعاب لتقديم المساعدة المنقذة للحياة للمدنيين المحتاجين، وبرز كذلك دور الشركاء الإنسانيين حيث وصلوا إلى 2.5 مليون شخص في المناطق التي تقع ضمن المرحلتين الرابعة والخامسة على التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، بما في ذلك 1.8 مليون شخص بمساعدات الأمن الغذائي وسبل العيش، و800,000 شخص بدعم المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، و237,000 شخص بالرعاية الصحية.
*مشاكل التمويل
وفي ظل هذا الواقع أيضاً يجب التذكير بأن الأمم المتحدة وشركاءها اشتكوا من أنهم لا يستطيعون قطع شوط طويل في تقديم المساعدات دون الوصول الكافي والموارد التي يحتاجونها.
وتم التذكير سابقاً بأن الإمدادات المنقذة للحياة في بورتسودان جاهزة للتحميل وإرسالها إلى مخيم زمزم، بما فيها الأدوية الأساسية، والإمدادات الغذائية، وأقراص تنقية المياه والصابون.
كما تتوفر إمدادات الإغاثة لسكان زمزم بسهولة في شرق تشاد، ولكن الأمطار الغزيرة غمرت معبر الطينة، وهو المعبر الحدودي الوحيد الذي يُسمح للوكالات الإنسانية باستخدامه حاليا بين شرق تشاد ودارفور بعد أن ألغت السلطات السودانية الإذن باستخدام معبر أدري في فبراير.
ونتيجة لهذا، كانت توجد مشكلة لعدم استطاعة نقل كمية كبيرة من الإمدادات المطلوبة لإنقاذ الأرواح ومكافحة المجاعة.
*حيز ضيق
ولابد لنا من التذكير بأن الأزمة الإنسانية في السودان، لم تحظ بالاهتمام السياسي والدبلوماسي الذي تحتاج إليه بشدة.
ومع ذلك، فإن لها آثارا أوسع نطاقا وتهدد بزعزعة استقرار المنطقة الأوسع.
ومن الناحية الاخلاقية ،فإن التأكيد على وجود المجاعة في السودان ،لابد أن يكون بمثابة جرس إنذار للمجتمع الدولي، ولأعضاء مجلس الأمن الدولي.
كما يجب التنبيه بشدة أن جميع أطراف الصراع تفشل في الوفاء بالتزاماتها وتعهداتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وهنالك جهات دولية تحدثت أن طرفي الصراع يعرقلان، بشكل روتيني، طلبات الحصول على موافقات التنقل عبر خطوط النزاع، وهذا يحد بشدة من كمية المساعدات التي تمر، ويمنع المنظمات الإنسانية من العمل على نطاق واسع.
من الجيد في هذا الصدد أن إتاحة معبر أدري الحدودي أمام التدفقات المستدامة والمتوقعة للإمدادات الإنسانية أمر بالغ الأهمية لوقف ارتفاع عدد الوفيات بين المدنيين.
ولابد من الوصول إلى الأشخاص الذين يواجهون مستويات طارئة وكارثية من الجوع إلى جانب النازحين داخلياً.
*معبر أدري
وتمثل خطوة مجلس السيادة السوداني بفتح معبر أدري الحدودي مع تشاد لمدة 3شهور ،خطوة إيجابية لجهة إدخال المساعدات الإنسانية.
لكن في الأخير يظل المطلب الأول هو وقف الصراع، وهنا لربما تفتح محادثات جنيف كوة لمحاولة وقف هذا الصراع الكارثي.
فيما يتوجب أثناء ذلك ضرورة وفاء الأطراف بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي.
وكذلك الحاجة الملحة إلى وصول إنساني سريع وآمن ودون عوائق عبر السودان، من خلال جميع الطرق الممكنة،
وأخيراً، الضغط على طرفي الصراع من أجل التوصل لتفاهمات حقيقية يتم بموجبها إيلاء الجانب الإنساني الأولوية القصوى ، قبل الدخول في ترتيبات وقف إطلاق نار نهائي يضمن تحسين الأوضاع الإنسانية ونقلها لمربع الحسم النهائي.
إن تأمين طرق الإمداد عبر الحدود – عبر معبر أدري ونقاط الدخول الحدودية الأخرى من تشاد وجنوب السودان وليبيا ومصر – والمساعدةالدولية من أجل إيصال المساعدات والحركة الإنسانية، ووفاء أطراف الصراع بالتزاماتها بموجب القانون الإنساني الدولي، وبموجب قرار مجلس الأمن 2417 ،يمثل امراً أساسياً.
ولابد من تذكير المجتمع الدولي
بان وقف المجاعة الجارية الآن في السودان، يتطلب إرادة سياسية قوية.
وبمرور الوقت يعاني الشعب السوداني كثيراٍ الآن، حيث أنهكته الحرب وكسره الجوع، وبالتالي يستحق من المجتمع الدولي اتخاذ خطوات فعالة وناجزة.
فالتقارير أظهرت حجم الكارثة الإنسانية في السودان نتيجة الحرب.
ومع استمرار النزوح وتمدد الجوع مع قفل المعابر أمام وصول المساعدات الإنسانية ،تشكل هذه القضية الآن عامل ضغط قوي على صانع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا وغيرها من الدول.
لجهة عدم اهتمامها بهذا الصراع الكارثي الذي ربما يتمدد ليشمل دول إقليمية عديدة.
*بارقة أمل
وتعمل منظمات المجتمع المدني في السودان في ظل ظروف قاسية حدت من قدرتها على المساهمة في التخفيف من الكارثة الإنسانية أو الضغط باتجاه وقف الحرب.
فيما يعول الشعب بالداخل في ظل فشل حسم الصراع لأي طرف، على المجتمع الدولي من أجل التدخل لوقف هذه المأساة الإنسانية.