عفراء سعد راستافارية تعمل في مجال الأفلام (أ.ف.ب)كانوا يعيشون حياة سرية أثناء حقبة نظام البشير (أ.ف.ب)
الخرطوم-اليوم، وكالات
يرى قطاع عريض من المراقبين في السودان أن “الراستافارية” التي تجلى ظهورها إبان ثورة ديسمبر 2019، وماتلاها من مناخ للحريات عقب سقوط نظام الإخوان المسلمين، الذي حاول جاهدا تغيير البنية الاجتماعية والثقافية في السودان دون جدوى، أن هؤلاء الشباب يمثلون حركة ثقافية أكثر منها دينية.
حياة سرية
وكان الراستافاريون في السودان يعيشون في الخفاء خلال فترة نظام الرئيس المخلوع عمر البشير الذي أطيح به في أبريل 2019 عقب احتجاجات شعبية عارمة وقودها الشباب ، انتهت إلى فضاء من الحريات ، استفاد منها “الراستا” في ممارسة حياتهم تحت أضواء الحرية التي تمتع بها السودانيون.
يدرك عبدالله أحمد أن أسلوب الراستا الذي يعتمده بشعره الطويل المجدول وشغفه بموسيقى الريغي ونمط حياته، يمكن أن يكلّفه غاليا في بلد مثل السودان
في جامايكا يعتبر الامبراطور الإثيوبي الأسبق هيلا سيلاسي مسيحا، لكن لاينطبق ذلك بالطبع على الراستفاريا في السودان ذو الأغلبية المسلمة.
مضايقات واتهامات
في عام 2017، أوقفت الشرطة أحمد عندما كان يقدم عرضا لموسيقى الريغي في مكان عام، واتُهم بتناول المخدرات وحكم عليه بالجلد عشرين جلدة. وكان أتباع هذا التيار يتعرّضون لمضايقات، وتحلق رؤوسهم في العلن، بسبب قانون النظام العام الذي كان يحدّ من حرية ارتداء الملابس واختيار قصة الشعر.
اليوم، يربط أحمد رأسه بعصبة يتدلّى منها شعره الطويل المجدل جدائل رفيعة وكثيفة، ويضع على معصمه ربطة قماش بألوان زاهية.
وفي حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية، يبدي الراستا أحمد إعجابه بمغني الريغي الشهير بوب مارلي الذي كان له علاقة وثيقة بالراستفارية.
ضد الاستبداد
راستات السودان أعلنوا التمرد على الإستبداد و رفعوا أصواتهم بالغناء (أرجم الفساد أرجم الوساطة) ، و أعلنوا أنهم “صابنها”.
تقول الكاتبة عبير المجهر سويكت: “راستات السودان حراس الترس “اعقلها وتوكل” ، و ما بين غمضة عين وانتباهتها.. يغيّر الله من حال إلى حال َ، وفعلاً تحقق الأمل ونجحت الثورة.
راستات الثورة
وتوضح عبير أن “الراستا”شكلوا لوحة فنية تشمل كل طبقات السودان الثقافية و المجتمعية فمنهم ناس “أم در الحبيبة “أنصار الله” ، و “حناكيش” العمارات و المعمورة و الطائف و أركويت و كافوري.. إلخ، و” شفاته و كنداكات”(عاملين عصبجية و نحنا ناس شفاته ما بشيل بندقية في يدي البلاطا) ، و برى الصمود عرين الأسد(نحنا كالأسود جوا الميدان نحنا ناس مارقين نحرر السودان) ، و الحاج يوسف و الكلاكلة و امبده و صولات الديم..إلخ.
واضافت:تجدهم يرقصون كذلك على كل الانغام يطربون لمصطفى سيد أحمد و العملاق وردي كما يرقصون على أنغام ملك الصولات و الزنق أيمن الربع و النيجيري و ايقاعات و أنغام حمدي عباسية ، و هم يرددون أيضا ”عسكرية آه وين يا، مدنية وي وي وي”
حرية وحماس وتمتعت حركة الراستا بنفحة من الحرية أثناء تولّي المدنيين الحكم بمشاركة العسكريين بعد البشير، قبل أن يعود أنصارها ويشعروا بالتضييق بعد الانقلاب العسكري الذي قاده قائد الجيش عبد الفتاح البرهان قبل حوالى العام، وأزاح المدنيين من السلطة.
ويضيف أحمد “شعرنا بحماس شديد عقب سقوط البشير، وأمِلنا في أن تزدهر الموسيقى والفنون”.
وتقول عفراء سعد ذات الخمسة والثلاثين عاما التي تعمل في صناعة الأفلام لوكالة الأنباء الفرنسية، إن أعضاء مجتمع الراستافاري أصبحوا مستهدفين من القوات الامنية
وقتل عدد منهم أثناء الاحتجاجات الشعبية ضد الانقلاب.
وبعد موتهم، خرج بين المتظاهرين هتاف “الراستا لا يموت”، إلى جانب “المدنيون إلى الحكم”، و”العسكر إلى الثكنات”.
بينما يمكن رؤية رايات تحمل صور بوب مارلي في التظاهرات الاحتجاجية.
وقتل 121 شخصا، وفق لجنة الأطباء التي تدعم الحركة الديموقراطية، خلال قمع الاحتجاجات في السودان منذ أكثر من سنة.
استهداف وتحفظات
وفي حملات التوقيف التي تسبق أو تلي الاحتجاجات المنتظمة التي لا تزال تخرج في السودان، يقول أنصار الراستا أنهم أول من يستهدف بسبب شكلهم المختلف. وغالبا ما خرج بعضهم من السجن مع رؤوس حليقة.
وتعاني سعد نفسها من “تحفظات” الناس على مظهرها. وتقول المرأة التي تجدّل شعرها الطويل أيضا، “الاعتراض الأساسي هو لماذا تترك الفتاة جدائل شعرها؟” صورة نمطية
وتعتقد أن الرفض يعود الى أن “الصورة النمطية السائدة هي أن من يترك جدائل شعره هو شخص مدمن على المخدرات ويسلك سلوكا غير لائق”.
لكنها تؤمن بأن هذا الخيار كان جزءا من معركة النساء ضد حكومة البشير والأعراف السائدة حينها.
وقد كانت النساء في طليعة الاحتجاجات التي خرجت ضد البشير، معربات عن غضبهن المكبوت على مدى عقود من عدم المساواة والسياسات التقييدية التي قلّلت بشدة من دورهن في المجتمع.
وتقول سعد “أنا ببساطة لا أكترث… هذه هويتي ومن أنا”.
بالنسبة لآخرين، إسدال ضفائر الشعر او جدله أو اتباع أسلوب حياة يشبه الراستا هو تحدّ بحد ذاته. أسلوب احتجاجي
وقال صالح عبد الله البالغ من العمر 26 عامًا والذي يسرّح شعره على شكل ضفائر قصيرة، إن هذه كانت طريقته في الاحتجاج على الانقلاب العسكري.
وأضاف خلال تظاهرة مناهضة لانقلاب أكتوبر 2021، “نحن نرفض كل الانتهاكات التي تقوم بها السلطات”، متابعا “سأحتفظ بمظهر الراستا حتى يسقط النظام”.